أسمع الآن وأصغِ بقلبك إلى كلامي، وتمسّك به بنفسك وافهم. من أجل هذا أنا أُسلَّمك إلى خالقك، واجعل الملائكة المقدَّسين يلتصقون بك ولا تتألم، وتبعد عنك جميع الأرواح الماكرة الشريرة. تأمل أشكال المُضلّ وأعوانه هذه التي أقولها لك لكي تتحفظ منها :
لأنهم مراراً يمسكون قلبك ولا يتركونك تتأمل شيئاً من الأفكار، ويطَّيبون قلبك كأنك قد صرت في هدوء، وأنت تعلم أنهم يصنعون هذا الفعل حتى ينزعوا الظنّ الحسن منك. ودفعات أخرى يجلبون عليك بسرعة ضيق الصدر والتهاب القلب، وبالأكثر يطيَّبون قلبك كأنهم يصنعون معك شفقةً، فانظر لا تأتمنهم فهم إنما يصنعون هذا لكي ينزعوا منك حلاوة الروح. ودفعات أخرى يمسكونك في طول الروح قائلين: إن هذه حكمة قد وصلت إليها. فلا تُسلّم روحك إليهم، واعلم أنّ مِنْ قِبَل هؤلاء يُزرع فيك المكر وتُنزع منك الوداعة.
ودُفعات أخرى يُحلُّون لك الضحك والانبساط قاصدين بذلك أن يطيبوا قلبك بأن تصنع هذه كأنها وداعة، فلا تسمع منهم في هذه الأحوال، واعلم أن قصدهم في هذا الذي يصنعونه إنما هو لكي يثيروا عليك أوجاع الشهوة الرديئة من مصاحبتهم الشريرة، ويجعلوا محبتك تظهر فتبعد خارجاً عنك وأنت لا تعلم.
ودُفعات أخرى يأتون إليك جهاراً، ويُلقون في قلبك حزن عمل اليدين، لكي تتفرّغ لسماع الأفكار الشريرة والخواطر الباطلة، فيصنعون هذا لكي يجعلوك غريباً من حلاوة العلم المقدس. ودُفعات أخرى يُلقون في قلبك سهام المجد الفارغ، لكي تنظر إلى أشياء كثيرة بأشكال مختلفة لكي يبرَّروك في قلبك، حتى أنك تقول في نفسك إنَّي كريم أكثر من كل أحد، فلا تسمع منهم فإنهم يصنعون هذا لكي يُبعد الإله الحقيقي الاتضاع خارجاً عنك.
عن كتاب روضة النفوس في رسائل القديس أنطونيوس
طبعة عام 1899م ص 180
أنظر فردوس الآباء ( بستان الرهبان الموسع ) الجزء الأول
إعداد رهبان بريَّة شيهيت ص 109 - 110